jeudi 28 août 2014

تاريخ شعبي للولايات المتحدة

اليوم أكملت كتاب هوارد زين عن تاريخ شعبي للولايات المتحدة. كتاب لم يركز على أفعال الملوك والرؤساء والجنرالات، بل حاول أن ينقل كيف عاش "الشعب" ذلك الكائن الهلامي المتخفي. كيف صنع التاريخ وكيف لم ينفك عن مقاومة الطغاة والعسكريين ورجال المال والسلطة.

كم تمنيت لو كان لنا في عالمنا العربي مؤرخ له من الشجاعة وقوة الفكر ما يجعله يقدم على مثل هذه المغامرة ويقدم رواية تاريخية عميقة لتحولات شعوب العالم العربي في علاقاتها مع السلطة، مع المال، مع الأقليات، الإستعمار...

dimanche 2 février 2014

ما أخذ بالقوة لا يرجع إلا بالحيلة

لما تقرأ الصحف الإسرائيلية تلاحظ أن موضوع الساعة بالنسبة لهم ليس صواريخ القسام، ولا ألعاب الطائرات بلا طيار المضحكة لحزب الله، ولا جيش المقاومة والممانعة (الذي لا يكاد يلتقط أنفاسه من قصف شعبه وتقتيل معارضيه) على الحدود الشمالية ولا إنتحاريو القاعدة (المشغولون جدا حاليا بذبح مخالفيهم من الشيعة والعلمانيين والنصرة و...).
كلا ليس هذا ما يخيف إسرائيل. بالعكس فالعديد من مفكريهم يقولون بأن إسرائيل لم تكن أبدا في وضع أفضل من الناحية الجيوستراتيجية. ولن يكون بإمكان العرب أن يشكلوا ميزان قوى عسكري مضاد يجبرها على إرجاع حقوق الشعب الفلسطيني لعقود على الأقل.
لكن إذا إعتبرنا ميزان القوى العسكري جزئا فقط من ميزان القوى الإستراتيجي (حيث يجب الأخذ بعين الإعتبار لميزان القوى الإقتصادية والتحالفات الديبلوماسية والموارد).فإن أكبر تهديد حاليا لميزان القوى الحالي هو حملة المقاطعة العالمية (المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS). تحت الضغط الإعلامي والأخلاقي لمناضلي هذه الحملة (المستوحاة من الحملة المشابهة ضد إفريقيا الجنوبية في ثمانينات القرن الماضي)، إتخذ عدد مهم من المنظمات والشركات إجرائات لوقف تعاملاتها مع كل من يعمل في المستوطنات (مثلا هنا وهنا). هذا العدد مرشح للإرتفاع بشكل كبير جدا في صورة فشل المفاوضات وإستمرار قيادة دولة إسرائيل من متطرفين مثل نتانياهو أو بينيت.
لأول مرة يصبح لإسرائيل ما تخسر. في الماضي كانت الدعاية الإسرائيلية الداخلية تركز على حجتين لدفع الجمهور الإسرائيلي نحو اليمين : أن لا وجود لشريك فلسطيني (والواقع أن لا وجود في هذا العالم لشخص يؤمن بالسلام والمفاوضات أكثر من محمود عباس أبو مازن) وأن إسرائيل لن تخسر شيئا إذا إستمرت في الإحتلال. إذ أن الدعم الأمريكي والعلاقات المشتركة مع أوروبا لم يتأثروا يوما بما يحدث على الأرض. اليوم، لأول مرة، أصبح لدى الفلسطينيين سلاح فعال جدا لن ينفع ضده درع صاروخي ولا دبابة ميركافا : إنه سلاح المقاومة السلمية المدعوم بالمقاطعة العالمية والمستندة إلى الشرعية الدولية.

 يقول بينيت بأن إسرائيل  يجب أن لا تخشى المقاطعة العالمية وأن بإمكانها العيش داخل حدودها بمعزل عن العالم! وأنا أراهن بأن الإقتصاد الإسرائيلي القائم تقريبا على التصدير لن يقدر على الصمود أكثر من أشهر في صورة تحول الرأي العام العالمي ضده،  وعندما ينهار الشيكل وتصل نسبة البطالة إلى ثلاثين بالمائة، سيكتشف الإسرائيليون حلاوة القانون الدولي والعدالة والأخوة!
لكن من أجل ذلك، يجب على الفلسطينيين أن يغيروا بعض الشيئ طريقة تفكيرهم التي ورثوها عن القائد الفاشل جمال عبد الناصر (الفاشل لأنه المسؤول الوحيد عن نكسة 1967 رغم الموارد الهائلة التي كانت لديه) والتي تتلخص في : ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة!
كلا ياأخ العرب! لقد أحتلت الهند بالقوة وتحررت بالعصيان المدني السلمي، وتم فرض الأبارتهايد بالقوة، وسقط بالمقاطعة العالمية. بينما إستمر الإحتلال الإسرائيلي إلى اليوم رغم لجوء الدول العربي للحل العسكري وحده طول الوقت دون الإلتفات إلى أسلحة أخرى أكثر نجاعة.

samedi 4 janvier 2014

أردوغان في السلطة

في لقاء لي مع أحد الأتراك أصيلي إسطنبول، تحدثنا عن أردوغان. فكانت فرصة لفهم سبب وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة وإحتفاظه بها لليوم (وربما للفترة القادمة أيضا).
حديثنا كان طويلا، وهذه أهم النقاط التي طرحناها:
ـأتاتورك : في المخيال الجمعي للأتراك،  لا يوجد شخص يوازي في أهميته شخص مصطفى كمال أتاتورك. وعلى الذين يطرحون أردوغان كمدمر للإرث الأتاتوركي أن ﻳﺤﻀﺮوا بعض إجتماعات حزبه ليروا صورة أتاتورك العملاقة تراقب بصرامة المتحدثين والجمهور!
ـأردوغان حسب بعض الملاحظين يريد أن يكون خليفة لأتاتورك ومكملا لمشروعه حسب رؤية محافظة للتاريخ تجعل من الجمهورية التركية إمتدادا للتاريخ التركي الإسلامي وليست على قطيعة معه.
ـإن حزب أردوغان خسر الكثير في فضائح الفساد وأحداث حديقة تقسيم. لكنه رغم ذلك لا يزال متفوقا على كل منافسيه. لما؟
لأن منافسيه ليسوا أفضل منه في الواقع (هذه هي الوضعية الكلاسيكية التي يبقى فيها شخص في السلطة لإنعدام البديل، السيسي نموذج آخر حسب رأيي).إن أهم الأحزاب المعارضة لأردوغان هي أولا حزب الشعب الجمهوري المرتبط بكل إنقلابات القرن الماضي والمتكون من ديناصورات وكوادر قديمة   بعضها ليس مؤمنا بالديمقراطية (فكرة الديمقراطية منتوج غربي لا يناسب مجتمعنا المختلف وغير ذلك من الهراء). لو ربح هذا الحزب فسيحكم مع أحزاب يمينية متطرفة معادية لكل إختلاف (وبالتالي معادية للأقليات الكردية والعربية والأرمينية). فقوة أردوغان إذن تنبع خاصة من معارضيه!
ـمادام الإقتصاد ينمو بهذه الوتيرة، ومع الحفاظ على السلم الإجتماعي وعلى المبدإ العلماني الأتاتوركي (وإن إختلف التطبيق بعض الشيئ) وخاصة إذا إبتعد عن المغامرة في دول الجوار، فلا يبدو أن حزب أردوغان سيخسر السلطة، خاصة وإن المرشح القادم قد يكون عبد الله غول وهو شخص أقل عدوانية وأكثر رصانة من أردوغان.

dimanche 23 décembre 2012

الإسلام السلفي والدولة السعودية

 عبد العزيز آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية

لا يعرف الكثيرون أن المذهب السلفي الوهابي هو قبل كل شيئ إيديولوجيا تأسست بها الدولة السعودية الأولى في القرن الثامن عشر (قبل أن يدمرها سلطان مصر محمد علي باشا) والثانية (وأسقطتها عائلة آل رشيد) والثالثة الحالية. لقد قام أمير الدارعية في منتصف القرن الثامن عشر محمد بن سعود بعقد صفقة شيطانية مع أحد الشيوخ الجهلة المتطرفين : محمد بن عبد الوهاب. وفر بن عبد الوهاب الإيديولوجيا، بينما أعطى بن سعود السيف. وكانت النتيجة إنتشارا دمويا لملك بن سعود تسبب في قتل وسبي الآلاف، وتدمير آثار لا تقدر بثمن (من بينها عديد الآثار الإسلامية المهمة من مساجد وضرائح وغير ذلك...). يتحدث بن إبي الضياف في كتابه المعروف عن وصول رسالة بن عبد الوهاب إلى تونس في عهد الباي حمودة باشا الحسيني وكيف رد عليها شيوخ الزيتونة ودحضوها. لكن من المعروف أن مثل هؤلاء الأشخاص لا تقنعهم الفكرة والحجة. لذلك تصرف معهم السلطان العثماني بطريقة أكثر نجاعة وحسما، فبعث إلى والي مصر محمد علي باشا ليتصرف معهم بما تستلزمه مصلحة الشعوب والطوائف الموجودة في الشرق الأوسط. فبعث لهم إبنه إبراهيم باشا على رأس الجيوش المصرية فهزمهم ودمر عاصمتهم وقتل كل من وجده هناك من شيوخ الوهابية، بينما فر بقية الأمراء والشيوخ إلى خارج البلاد. أما عبد الله بن سعود فقبض عليه وبعث إلى إسطنبول حيث قطعوا رأسه.
في بداية القرن العشرين، حاولت العائلة الهاشمية الحاكمة في مكة والمدينة إستغلال الحرب العالمية الأولى والتناقضات بين الدول الإستعمارية من أجل بعث مشروع قومي عربي. فكان رد بريطانيا كالعادة حسب التقاليد الميكيافيلية المعروفة للسياسة البريطانية. قام عبد العزيز بن سعود اللاجئ حينئذ في الكويت بعقد صفقة مع البريطانيين تتضمن :
ـإعطاء الجزيرة العربية لآل سعود وحمايتها إذا لزم الأمر من طرف الجيش والإستخبارات البريطانية.
ـمناصرة آل سعود للمشاريع البريطانية المضادة لمشروع العائلة الهاشمية.
هكذا قام عبد العزيز بن سعود، بدعم مادي وإستخباري من بريطانيا، وبمناصرة إيديولوجية من عند آل الشيخ، بغزو الجزيره" العربية مستغلا في ذلك جحافل لا تنتهي من البسطاء المتعصبين الذين سارعوا إلى الجهاد من أجل إعلاء كلمة الدين ودحر الكفار (!!!). قدر البعض حصيلة الحرب التي شنها بن سعود في عشرينات القرن الماضي ب300000 قتيل على الأقل من دون حسبان الجرحى وسبي النساء وتدمير المعالم الأثرية وقمع الأقليات المذهبية.
هكذا زرع السم الذي سيصنع فتنة لا تنتهي في العالم العربي والإسلامي.
أخذت الولايات المتحدة فيما بعد دور الحماية من بريطانيا (لقاء عبد العزيز بن سعود وروزفلت في 1945) من أجل ضمان الأهداف الأساسية التالية:
ـ بقاء الجزيرة العربية بسكانها ومواردها تحت سيطرة وإستغلال طفيليات آل سعود.
ـ الوصول إلى منابع النفط من قبل الشركات الأمريكية الأخرى.

وأعطى آل الشيخ كالعادة موافقتهم مقابل تطبيق المذهب الوهابي في السعودية وقمع جميع المذاهب والأديان الأخرى (ومقابل مستوى معيشي مرتفع لهم).
اليوم، ورغم بعض التغيرات السطحية التي توحي ببداية بعض التغيير، يواصل آل الشيخ، آل سعود، وآل مارينز تحالفهم التاريخي رغم جميع الكوارث التي أدى لها (ومن بينها ظهور القاعدة). فبعد بعض المحاولات المحتشمة للضغط على النظام السعودي من أجل بعض الإنفتاح، يبدو أن منظري السياسة الأمريكية إرتدوا اليوم إلى النظرية الواقعية التي لخصها روزفلت عند حديثه عن سوموزا : "إنه وغد، لكنه وغدنا".
إن ما حصل ويحصل اليوم في السعودية من إستغلال شعب الجزيرة العربية ومن هدر للموارد الطبيعية من قبل آل سعود وحلفائهم من السلفيين هي حقا جريمة العصر. وأبشع ما في الأمر هو إنتشار هذا النموذج التدميري العدمي بين العرب السنة مستغلين في ذلك موارد النفط ووسائل الدعاية الحديثة من تلفاز وإنترنات... بما يؤدي إلى مسح لذاكرة حضارية مديدة وإختزال للشخصية العربية في تدين ظاهري سطحي كلياني

dimanche 30 septembre 2012

أفضل الإستراتيجيات لبقاء بني خونج على قلوبنا


كانت إنتخابات أكتوبر 2011 إنتصارا لحركة النهضة لأنها عرفت كيف تلعب على عديد الحبال، من بينها الحبل الإعلامي، حيث تم إيهام الناس بأن النهضة وحلفائها هم جبهة الثورة، وأن منافسيهم هم من الأزلام والفلول. كلنا يتذكر المرزوقي، بعد أن تم إرجاعه للسكة بفضل "شلابق" القصبة واحد، وهو يدعو التونسيين للتصويت للنهضة والتكتل والمؤتمر كأحزاب للثورة ضد أعدائها. هذه الخدعة إنطلت على الجميع، فنسوا أن من قام بالثورة هم أولا المعطلون عن العمل والمهمشون في المناطق الداخلية، مدعومين خاصة بالقوى النقابية في الإتحاد العام التونسي للشغل.
هذه الإنتخابات كانت درسا جعلنا نتعرف على الأشخاص المكونين للمشهد السياسي. وإن من حسن حظنا أنها تمت من أجل مدة قصيرة هي مدة المجلس الوطني التأسيسي. أما الإنتخابات القادمة، فستكون من أجل فترة أطول، وستمتلك فيها الأحزاب الحاكمة مفاتيح الحكم لتنفيذ برامجها بطريقة أكثر عمقا.
اليوم، هناك ثلاث جبهات سياسية رئيسية:
ـجبهة النهضة وأزلامها من السلفية ومن بقي في المؤتمر وبعض إنتهازيي التكتل.
ـالجبهة الديمقراطية : ممثلة خاصة بنداء تونس والحزب الجمهوري وأحزاب أخرى صغيرة.
ـالجبهة اليسارية : وفيها يساريون حقيقيون (وطد وحزب العمال) وقوميون تقدميون، وبعض القومجيين البعثيين.
إستراتيجيا فرق تسد
لن يمكن للجبهة النهضاوية  تحقيق الأغلبية الساحقة في الإنتخابات القادمة إلا إذا قامت الجبهتين المعارضتان بتحطيم بعضهما. هذه الحقيقة الواضحة كانت السبب الرئيسي لمحاولات النهضة المتجددة لإجتذاب نجيب الشابي والهمامي من أجل تشكيل "الجبهة الثورية" ضد "التجمعيين"، من أجل التغطية على الصراع الحقيقي الذي تعيشه تونس وكل الوطن العربي بين القوى الرجعية الدينية، ومجموع القوى الحداثية والتقدمية.
من بين المثقفين التونسيين، أعجبني جدا توفيق بن بريك وهو يتحدث عن هذه المسألة قائلا بأن من القواعد الأساسية لكل صراع، هو محاولة عزل الخصم، وجمع أكبر قوة ممكنة من أجل هزمه. هكذا تحالف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية : إمبراطورية إستعمارية (بريطانيا)، جمهورية في أوج قوتها الصناعية (الولايات المتحدة) وإمبراطورية شيوعية ديكتاتورية (الإتحاد السوڤياتي) من أجل هزم الخطر الداهم الذي كان يهدد البشرية كاملة.

هل هناك خطر اليوم يفوق خطر الإنحطاط الناجم عن إنغلاق المجتمعات العربية؟ فليفق كل شخص عاقل ويفهم : إنها لحرب حقيقية بين العقل والنقل، بين الفكر ووالتحجر، بين الماضي والمستقبل. وكل شخص مازال يعتقد بإمكانية التوفيق هو يخسر وقته.
إنني أعتقد هذه المرة ضرورة إسقاط حركة النهضة وحلفائها في الإنتخابات القادمة مهما كان الثمن. فلنتخيل مشهد حكومة ثورية حقيقية يقودها ديمقراطيون ويساريون لتقوم بإصلاحات سريعة وحاسمة من أجل فرض النظام وإصلاح المجتمع والتعليم والإقتصاد.
ما يمنع مثل هذا السيناريو الرائع هو نرجسية البعض ورغبته في أن يكون الزعيم الملهم الوحيد. والنهضة تعرف ذلك وتلعب على هذا الوتر من أجل إدامة سيطرتها على المجتمع والدولة. ب37% تستطيع النهضة البقاء للأبد مادام أقرب منافسيها لا يتجاوز 15%.

dimanche 9 septembre 2012

لن نخدع مرة أخرى

كانت إنتخابات 23 أكتوبر 2012 واحدة من أعظم الأكاذيب على مر التاريخ حسب رأيي. بل إنها تصلح لتكون درسا في علوم السياسة للسذج ليفهموا ماهي السياسة على أرض الواقع.
لقد كان الجميع يعرف أن هناك إحتمالا كبيرا لوصول النهضة للحكم بفضل اللعب على الوتر الديني. ففي بلاد صحراء الثقافة والحضارة، فقط الدين والكرة يمكن أن يجيشا المشاعر والحشود، ويملآ المسارح والميادين.
كنا نعرف ذلك حتى إن بن عاشور قالها صراحة : لقد كنا متأكدين من وصول النهضة إلى المرتبة الأولى بين الأحزاب، وكنا نتوقع لها بين 30 إلى 40%.
أين الخدعة إذن؟
إنها في التحالفات، وفي الأوراق ما تحت الطاولة، وفي المكتوم عنه.
يخطىء البعض حين يعتقد  أن النهضة وصلت للحكم بالصدفة، أو رغما عن المجتمع الدولي. لقد كان وصول النهضة أمرا متوقعا جدا بل حتى مرغوبا فيه في الواقع. لن أتحدث عن الويكيلكس، ولا عن خلفيات رجال النهضة الكبار (وأغلبهم أثروا بطريقة غريبة ومشبوهة عند نفيهم في الخارج مما يثير التساؤل : كيف يمكن لمن هرب دون قرش واحد في جيبه ودون أي مستوى علمي حقيقي أن يعود وفي رصيده المليارات والشركات والعقارات في قلب باريس ولندن؟).
هل بإمكان حركة ما أن تستولي على الحكم  ب38% من الأصوات؟ طبعا كلا!
من أجل الوصول للحكم والبقاء فيه يجب إيجاد أغلبية شعبية تدعمها أغلبية النخبة (رؤوس الأموال، المثقفون، أساتذة الجامعات، الإعلام، القضاء، الجيش). لكن النهضة لا تمتلك شيئا من ذلك، فرصيدها الشعبي لا يفوق اليوم في أقصى الحالات الثلث. أما النخبة، ففيما عدى رؤوس الأموال (ورؤوس الأموال بطبيعتها دائما تكون مع الحكم سواء كان شيوعيا أو سلفيا)، فالنخبة اليوم ترفض النهضة وإن بمستويات متعددة.
من أجل التغلب على هذه المشكلة لجأ النهضويون إلى حلفاء لهم وأعطوهم بعض الفتات من أجل الإنفراد بكعكة الحكم. لقد أعطوا لقيادات أحزاب المؤتمر وبعض قيادات التكتل مثلا ضمانات بمناصب وأوهاما بمسؤوليات. فإرتبط مصيرهم اليوم بهم.
بهذه الطريقة، فوجئنا بأكبر مهزلة في تاريخ تونس الحديث : أغلب من إنتخبوا المؤتمر وخاصة التكتل، إنتخبوهما كمنافسين للنهضة ولإيجاد ثقل مضاد متشبع بثقافة حقوق الإنسان والحريات والتكافل إلإجتماعي، فإذا بهذين الحزبين يتحولان اليوم لكلبي حراسة للنهضة في أكبر عملية سرقة في تاريخ تونس!
كيف يمكن أن ننسى منصف المرزوقي وهو يحلف الأيمان المغلظة بأن حزبه سيدافع عن حقوق الإنسان بكل شراسة وأنه لن يقبل بأي تعد على الحريات الفردية، ليكتشف الجميع أحد مجانين حزبه في إفتتاح المجلس التأسيسي وهو يهاجم أحزاب المعارضة بوصفهم عملاء للخارج وحثالة الفرنكوفونية!!؟؟

لكن هذه المهزلة لن تتكرر.
يقول المثل : من كذب عليك مرة، سيكذب عليك ألف مرة.
ويقول مثل آخر : إن خدعتني مرة فذلك ذنبك، أما إن خدعتني مرة ثانية فذلك ذنبي أنا.
إن الخطيئة الأصلية التي أدت إلى هذه المهزلة هي فكرة إنشاء حكومة تجمع بين المتناقضين وتعتمد المحاصصة الحزبية. بينما لا يكاد المتحالفون يتفقون على شيئ.
لقد حان الأوان اليوم أن نتبين كل فرقة وحدها. فليكن لنا حزب محافظ مثلا يضم النهضة وحلفائها من السلفيين ومندسي حزب المؤتمر، ولينفض الآخرون يدهم من فكر التحالف وليسعوا لبناء البديل صاحب البرنامج الواضح الغير مهادن.
حان الأوان أن تمتاز كل فرقة بفكرها. فليدافع الإشتراكي عن فكره الإشتراكي، وليدافع المحافظ عن فكره المحافظ. وليكن الشعب الفيصل. أما خرافة الأحزاب المتلونة كالحرباء حسب الرياح والفايسبوك، فقد إنتهت صلوحيتها.

vendredi 3 août 2012

الربيع لم ينتهي بعد

الربيع لم ينتهي بعد...
مر أكثر من العام والنصف على تلك الشرارة التي أشعلت إعصارا في كامل الوطن العربي فأسقطت عروشا كان الناس يظنون أنهاخالدة، ورجت أنظمة كانت تبدوا ثابتة كالصخر، وأظهرت حقائق لم نكن نعرفها أو كنا نتجاهلها.
ظن البعض أن الإعصار سيتوقف، وأن مصر ليست تونس، ثم أن ليبيا ليست مصر وهكذا دواليك. ثم جائت أطروحة الشتاء الإسلامي الذي سيعقب حتما وهم الربيع العربي الذي حلم به مجموعة من المغفلين الغير عارفين بواقع المجتمعات العربية.
لم ير الكثيرون أن المهم في هذا الإعصار ليس إتجاهه. فالإعصار بطبيعته مدمر كاسح يدور بدون إتجاه في أوج قوته. إنه يهدم كل ما أمامه ولا يوقفه دماء ولا عقلانية ولا إيديولوجيا. لن يتحول الإعصار إلى جليد إسلامي بل هو مبشر بالمطر المغذي، ومنه سينبت الربيع الحقيقي.
الربيع لم ينتهي بعد. وكما قال البعض، فإن الموجة الثانية من الربيع آتية على الطريق وستكون أكثر عصفا وقسوة. فلنقدها هذه المرة بدل من أن نبقى وقودا لشتاء لم ينتهي منذ ألف سنة.